النسكُ مُثَلَّثَةً وبضَمَّتَين : العِبادَةُ والطّاعَةُ وكلُّ ما تُقُربَ به إِلى اللّه تَعالَى ومنه قَوْلُه تَعالَى : " إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْياي ومَمَاتِي " وقيل لثَعْلَبٍ : هل يسَمَّى الصَّوْمُ نُسكًا ؟ فقالَ : كُلّ حَق للّه تَعالَى يُسَمَّى نُسكًا
وقد نَسَكَ للّه تَعالَى كَنَصَر وكَرُمَ الضّمُّ عن اللِّحْياني وتَنسَّك أي : تَعَبَّدَ نسكًا مُثَلَّثَةً وبضَمَّتَيْنِ ونَسكَةً بالفتحِ ومَنْسَكًا كمَقْعَد ونَساكَةً ككَرامَةٍ وهو مَصْدَرُ نَسُكَ بالضمِّ وهو مَجازٌ
وأَصْلُ النُّسك بالضَّمِّ وبضَمَّتَيْنِ وكسَفِينَةٍ : الذَّبِيحَةُ أَو النَّسكُ بالفتحِ : الدَّم هكَذا يَقْتَضِي إِطْلاقُه والصّوابُ أَو النُّسُكُ بضَمَّتَيْنِ : الدَّمُ ومنه قَوْلُهُم : مَنْ فَعَل كَذا وكَذا فعَلَيهِ نسُكٌ أي : دَمٌ يُهَرِيقُه بمَكَّةَ
والنَّسِيكَةُ كسَفِينَةٍ : الذِّبْحُ بالكَسرِ والجَمْع نُسُكٌ ونَسائِكُ
والمَنْسَكُ كمَجْلِسٍ ومَقْعَدٍ : شِرعَةُ النّسكِ وقُرِئَ بهِمَا قَولُه تَعالَى : " جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُم ناسِكُوه " قَرَأَ الكُوفِيونَ غير عاصِمٍ مَنْسِكًا بكَسر السّينِ والباقُونَ بفَتْحِها وقَوْلُه تَعالَى : " وأَرِنَا مَناسِكَنَا " أي : عَرفْنا مُتَعَبَّداتِنَا
وقالَ الفَرّاءُ : أَصْلُ المَنْسكِ في كَلامِ العَرَبِ : المَوْضِعُ المُعتادُ الذي تَعْتادُه ويُقال : إِن لِفُلانٍ مَنْسَكًا يَعْتادُه في خَيرٍ كانَ أَو غَيرِه ثم سُمِّيَت أُمُورُ الحَجِّ مَناسِكَ قال ذُو الرُّمَّةِ :
ورَب القِلاصِ الخوُصِ تَدْمَى أُنُوفُها ... بنَخْلَةَ والسّاعِينَ حَوْلَ المَناسِكِ وقِيلَ : المَنْسَكُ كمَقْعَدٍ : نَفْسُ النُّسُكِ وكمَجْلِس : مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ ومنه قَوْلُهُم : مِنًى مَنْسِكُ الحاجِّ وقالَ الزَّجّاجُ في تَفْسِير قولهِ تَعالَى : " جَعَلْنَا مَنْسَكا " النَّسكُ في هذَا المَوْضِعِ يَدُلُّ على مَعْنَى النَّحْرِ كَأَنه قالَ : جَعَلْنا لكُلِّ أُمَّةٍ أَن تَتَقَرَّبَ بأَنْ تَذْبَحَ الذَّبائِحَ للّه فمَنْ قالَ مَنْسِك فمَعْناهُ مكانُ نَسك مثل مَجْلِسٍ مكان جُلُوس ومن قال مَنْسَك فمَعْناهُ المَصْدَرُ نحو النُّسُكِ والنّسُوكِ
وقال ابنُ الأَثِيرِ : قد تَكَرَّرَ ذِكْرُ المَناسِكِ والنُّسُكِ والنَّسِيكَةِ في الحَدِيثِ فالمَناسِكُ : جمعُ مَنْسكٍ بفَتْحِ السِّينِ وكَسرِها وهو المُتَعَبَّدُ ويَقَعُ على المَصْدَرِ والزَّمانِ والمَكانِ ثم سُمِّيَتُ أمُورُ الحَجِّ كلُّها مَناسِكَ
ومن المَجازِ : نَسَكَ الثَّوْبَ أَو غَيرَه : غَسَلَه بالماءِ فَطَهَّرَهُ فهو مَنْسُوكٌ قالَ الجَوْهَرِيُّ : سَمِعْتُه من بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ قال نَهْشَلُ بنُ حَري :
ولا تُنْبِتُ المَرعَى سِباخُ عُراعِرٍ ... ولو نُسِكَتْ بالماءِ سِتَّةَ أَشْهُرِ وقالَ ابنُ عَبّادٍ : نَسَكَ السَّبَخَةَ نَسكًا : طَيبها
وقالَ النَّضْرُ : نَسَكَ إِلى طَرِيقَة جَمِيلَةٍ أي : دَاوَمَ عَلَيها
ويَنْسُكُونَ البَيتَ : أي يَأتونَه
ومن المَجازِ : أَرض ناسِكَةٌ أي : خَضْراءُ حَدِيثَةُ المَطَر فاعِلَة بمعنَى مَفْعُولَةٍ
والنَّسِيكُ كأَمِيرٍ : الذَّهَبُ والفِضَّةُ عن ثَعْلَبٍ
و قالَ ابنُ الأَعْرَابي : النَّسِيكَةُ كسَفِينَةٍ : القِطْعَةُ الغَلِيظَةُ مِنْه الصّوابُ مِنْها أي مِنَ الفِضَّةِ كما هو نَصُّ ابنِ الأَعْرابي والجَمْعُ نُسُكٌ بضَمّتَيْن
والنّسَكُ كصُرَد : طائِرٌ عن كُراع
وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ : فَرَسٌ مَنْسُوكَةٌ أي : مَلْساءُ جَرداءُ من الشَّعْرِ
وقالَ غَيرُه : هي أَرْضٌ مَنْسُوكَةٌ دُمِّنَتْ بالأَبْعارِ ونَحْوِها وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : مُسَمَّدَةٌ وهو مَجازٌ
والنَّسكُ بالفتحِ : المَكانُ المَألُوفُ في خيرٍ كانَ أَو غَيرِه كالمَنْسَكِ كمَقْعَد وهذه عن الفَرّاءِ وقد تَقَدَّمَ
ومما يُستَدْرَك عليه : النّاسِكُ : العابدُ قالَ ثَعْلَبٌ : هو مَأْخُوذٌ من النَّسِيكَةِ وهي سَبِيكَةُ الفِضَّةِ المُخَلَّصَة من الخَبَثِ كأَنَّه خَلَّصَ نَفْسَه وصَفّاها للّه عًزّ وجَلَّ والجمعُ نُسّاكٌ
ونَسَكَ البَيْتَ : أَتَاهُ
والمَنْسَكُ كمَقْعَدٍ : وَقْتُ النَّسكِ
والنّسُوكُ بالضمِّ : العِبادَةُ
وقال ابنُ الأَنْبارِيِّ : رَجُلٌ منسكة : كَثِيرُ النُّسكِ
وعُشْبٌ ناسِكٌ : شَدِيدٌ الخضْرَةِ وهو مِجازٌ
وانْتَسَكَ : افْتَعَل من النُّسكِ قال رُؤبَة :
" وارْعَ تُقَى اللِّه بنُسْكٍ منْتَسِكْ والمَنْسَكَةُ : قريَةٌ باليَمَنِ ومِنْها الشّيخُ أَبُو عبدِ اللّه محَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّه المَنْسَكِيُ أَحَدُ المَشْهُورِينَ في الحَالِ والقالِ وله بها ذُرِّيَّةٌ