بواسطة محمود رضوان
هل للتصوف وجود فى الاسلام؟
إن دين الله فصله الله، وأمر سبحانه أمين الوحى جبريل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو وسط أصحابه، وكان جبريل يسأل والنبي يجيب، وبعد أن انتهى جبريل عليه السلام وانصرف، قال صلى الله عليه وسلم أتعلمون من هذا؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمور دينكم. ماذا يقول:
{بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب.شديد سواد الشعر.لا يرى عليه أثر السفر.ولا يعرفه منا أحد.حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فاسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه} وقال:{يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقيم الصلاة. وتؤتي الزكاة. وتصوم رمضان. وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلا " قال: صدقت. قال فعجبنا له. يسأله ويصدقه}.
وهذا هو مقام الإسلام وهو أول مقام فى الدين. وهل الدين إسلام فقط؟ أم هناك ما هو أعلى من الإسلام؟ نعم! هناك مقام الإيمان، وهو أعلى من الإسلام، ولذلك عندما قالت الأعْرَابُ آمَنَّا، قال الله: قـل لهـم لا. {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات14
وذلك لأن الإيمان أعلى ولم يصلوا إليه بعد، {قال فأخبرني عن الإيمان؟}، فالإسلام أعمال الظواهر لهذه الجوارح، والإيمان أعمال القلب، ولذلك فإن أعمال القلب أعلى {قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " قال: صدقت}.
هل الدين إسلامٌ، ثم إيمانٌ وفقط أم هناك مقام أعلى؟ نعم هناك ما هو أعلى؟ ما هو؟ {قال: فأخبرني عن الإحسان؟}، إذاً المقام الأعلى فى الدين هو مقام الإحسان، وفى رواية {قال ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه، فإنه يراك}.
وهذا مقام الإحسان وهو المقام الأعلى، فالمنتسبون للصالحين والذين يمشون مع الصالحين ويلازمون مجالس الصالحين لماذا يفعلون ذلك؟ لأنهم يريدون أن يصلوا إلى المقام الأعلى فى الدين وهو مقام الإحسان. إذاً فنحن عندما نقول الصالحين أو نقول الصوفية، فنحن نقول على التمام طلاب مقام الإحسان أو الراغبون فى مقام الإحسان، أو العاشقون لمقام الإحسان، أو الذين يريدون أن يكونوا عند الله فى درجة الإحسان إذاً هل درجة الإحسان هذه من الدين أم لا؟ بل فى الدين. وهل هذا المقام فرضٌ أم نفل؟ إنه فرض لأن الحديث قال فى النهاية:{هذا جبريل آتاكم يعلمكم أمور دينكم}
إذاً فكل هذه الأمور من الدين، والإحسان فرضٌ من فروض الدين طالبنا به الرحمن عز وجل، وهو مقام يجمع الإسلام والإيمان، فالإسلام هو عمل الجسم والمظاهر والظواهر، والإيمان عمل القلب كما قلنا، أما الإحسان فهو عمل الظاهر والباطن.
وهل الخشوع عمل من أعمال الجسم؟ أم من أعمال القلب؟ من أعمال القلب إذاً العبرة بعمل القلب: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}، وإذا كان القلب خاشع، فهل يصح الخشوع والبدن غير خاضع لله؟ لا، إذاً فتمام العمل خضوع البدن والجوارح لله، وتمثلها بحركات الصلاة كما كان يؤديها حَبيب الله ومصطفاه، مع خشوع القلب وحضوره بين يدى الله، وهذا ما نسمِّيه الإحسان، أى أحسن الركوع والسجود والتلاوة، وكذلك أحسن معهم الطهارة والخشوع والحضور لله، وهذا ما يطلبه أهل مقام الإحسان، أو إن شئت قلت الصالحون أو الصوفية، وهم من قال لهم حضرة النبى صلى الله عليه وسلم:{إن الله كتب الإحسان على كل شيء}{2}
فأى شئ يعمله الإنسان يجب أن يحسنه، كيف؟ إخواننا الغير منتبهين ظنوا أن الإحسان فى الأشياء الظاهرة وحسب، كما قلت: الإحسان فى الحركات الظاهرة، إذاً لا بد معها من حركات القلوب لكى تنال المطلوب {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}المائدة27
{1} أبو واقد الليثى ،الإمام البخارى فى الجامع الصحيح.
{2} رواه شداد بن أوس، سنن أبى داوود ومسلم.