عجوز و نهر
جسر يربط الماضي بالحاضر. مياه تتدفق دون أن يسمع لها خرير.رسوم مجسدة على هذه الصخور تروي للعابر تاريخها وتقص عليه حكاياتها.إلى جانبها يمتد سور المدينة العتيقة نحو الأعلى ليتدلى كغصن زيتون حتى يكاد أن يلمس صفحة الماء. قارب صغير على متنه عدد لا بأس به من الراكبين يقترب شيئا فشيئا من هذه الضفة في حين كان آخر يتأهب, بعد أن اخذ كل راكب مكانه فيه, ليشق طريقه نحو الضفة المقابلة. من هناك كانت تنبعث رائحة سمك مقلي. رائحة تتسرب من خيمة وتفوح في الجو فتمتزج برطوبة المكان لتداعب الأنوف و يسيل لها اللعاب.
عجوز في الجيل الثالث من عمرها افترشت خروقا بالية ومددت جسدها النحيف عليها دون أن تبالي بلسعة القر الذي يأتي من تحتها أو من وراء ظهرها حيث النهر الخالد يسحر الوافدين إليه بمنظره الخلاب. تعترض سبيل المارة بوابل من ادعيتها. تستعطفهم و تتوسل إليهم ليمنوا عليها ببعض الريالات. لكن على ما يبدو و عكس الأيام المنصرمة لم تجد من يلبي طلبها أو يستجيب لندا ءها.
دخلت عالم الصمت بعد أن أعياها الصياح و الصراخ و أخذ ت تتابع دخان السمك المقلي وهو يبتعد عن نظرها رويدا رويدا إلى أن يتلاشى. سكتت عن الكلام المباح وهي تحس بأمعائها تعتصر من شدة الجوع. رمت ببصرها إلى الأمام فرات ما شاءت الأ قدار أن تريها:رأت قوارب قديمة في سبات عميق لم تبرح مكانها منذ زمن غابر, تتوسطها شقوق وعلى جوانبها كسور بارزة. رأت صيادين يتجاذبون أطراف الحديث عن كل شيء و عن لا شيء. فما أن انهوا تفريق المركب من صناديق السردين حتى راحوا يخيطون ما تآ كل من شبا كهم. ثم رأت مالك المركب و قائد هذه المجموعة من الصيادين يرتشف كوب شاي تحت أشعة شمس الأ صيل في انتظار رحلة صيد جديدة.
شرعت في جمع متاعها و بدأت في لم شتاتها حين سمعت طنين قطعة نقدية وهي تلا مس قعر إناء من نحا س كانت تضعه بالقرب منها. لم تدر من صاحبها وكيف تسنى له ذلك. كل ما تعرفه أنها ستتجه إلى الخيمة حيث صحن من السمك في انتظارها.
بقلم: عبد القدوس أيت عبد الواحد
ملحوظة: قصة فازت في مسابقة أوراق التي نظمها القسم العربي ل ب ب س في مطلع الالفية الثالثة