الفرق بين جوف وباطن
تعد ظاهرة الترادف من الظواهر اللغوية التي كثر حولها الكلام والنقاش بين العلماء واللغويين والأدباء والباحثين قديما وحديثا، وقد عدها الكثيرون منهم سمة من سمات اللغة العربية، وميزة من مميزاتها، ومظهرا من مظاهر العبقرية فيها، فهي عملية انفجارية شكلية تتم على مستوى اللفظ، إذ تعبر فيها دوالٌّ كثيرة عن مدلول واحد.
وقد أثارت هذه الظاهرة جدلًا واسعًا بين العلماء اللغويين، قدماءَ ومُحْدثين؛ فمنهم مَن أثبتَها، ومنهم مَن أنكرَها، ومنهم مَن توسَّط فقَبِلَها بشروط. ويفرق علماءُ اللغة المحْدثين بين نوعين مِن الترادف؛ هما: الترادف المطْلق أو التام، والترادف الناقص أو شبْه الترادف.
وفي هذا المثال سـنحاول حصر أوجه الالتقاء والاختلاف بين كلمتين قريبتين في اللغة كثيرا ما يتم الخلط بينهما في مواضع كثيرة وهما كلمتي جوف وباطن إذ سنركز في تحديد الترادف بين الكلمتين السابقي الذكر على ما جاء في مجموعة من المعاجم العربية.
يعرف المصباح المنير كلمة جوف بمعنى الخلاء، وهو مصدر جَوِفَ، فهو أجوف، والاسم الجَوْفُ، والجمع أَجْوَاف، هذا أصله ثمّ استعمل فيما يقبل الشغل والفراغ، فقيل جوف الدار لباطنها وداخلها، وجوّفته تجويفا "جعلت له جوفا".
وعن مدى أهمية مفهوم الجوف يعتبر بن فارس في قاموسه مقاييس اللغة أنها كلمة واحدة وهي جوف الشيء، يقال: جوف الإنسان، وجوف كلّ شيء، وطعنة جائفة إذا وصلت إلى الجوف، وقِدْر جوفاء: واسعة الجوف.
وفي صحاح اللغة يعرف الجوهري كلمة الجوف بمعنى المطمئنّ من الأرض. جوف الإنسان بطنه، والأجوفان البطن والفرج، يقصد هنا أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الخلاء الواقع في الباطن حيوانا أو غير ذلك، محسوسا أو معقولا.
يتم استعمال كلمة الباطن دائما في مقابل الظاهر، وهو أعمّ من أن يكون جوفا أو غير ظاهر في نفسه. وفيما يخص كلمة جوف فهي "اسم" والمصدر منه جَوِفَ يجمع على جُوفٌ، وأَجْوَافٌ، ومعناها هو باطن الشيء أو داخله.
وباطن اسم من أسماء الله الحسنى فمعناه في المعجم العربي العالِمُ بالسَّرائر والخفيّات، والمحتجِب عن أَبصار الخلائق وأَوْهامهم، والباطنُ من كل شيء: داخله، والباطنُ من الأرض: ما اطمأَن وانخفض، والجمع: أَبطِنة، وبواطن.
وقال الشاعر أمين تقي الدين:
"إن العظيم ثوى في جوف مقبرة … دون العظيم جنان الله مثواه..."
ففي هذا البيت الشعري يتبين أن المقصود بالجوف الأمر الواقع في الباطن أي يراد به القلب الواقع بداخل الإنسان.
ثم نجد الباطن في المعجم الوسيط على أنه جمع: بَوَاطِنُ. [ب ط ن]، (فاعل من بطن). ومعناه: الذي لا يُحَسّ، وإنّما يُدرَك بآثاره وأفعاله، والذي لا يُعلم كُنْه حقيقته للخلق، والعالم ببواطن الأمور والمطّلع على حقيقة كلّ شيء: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ {، علم الباطِن: (الفلسفة والتصوُّف) معرفة الأمور الخفيَّة.
قال الشاعر:
وسُفْعاً ضِياهُنَّ الوَقودُ فأَصْبَحَت ... ظواهِرُها سُوداً وباطِنُها حُمْرا
والباطنُ من كل شيء: داخله، والباطنُ من الأرض: ما اطمأَن وانخفض، والجمع: أَبطِنة، وبواطن.
ثم نجد في المعجم الوسيط الباطن من كل شيء: داخله. والباطن من الأَرض: ما اطمأَن وانخفض.
ويجمع على أَبطِنة، وبواطن. وفي معجم اللغة العربية المعاصرة نجد العقلُ الباطِن: اللاشعور، اللاّوعي، المستأجِر من الباطن: المستأجِر من مستأجِر، باطِنًا: سرًّا وخفاءً وباطِن الأرض: أعماقها، باطن الإنسان: طوِيَّته، دخلته، باطن الجسم: داخله، باطِن القدم: وجهها الأسفل، ما يطأ الأرضَ منها، -باطِن الكفّ: راحة اليَد، داخلها، بواطن الأمر: خفاياه، وجوهه غير الظاهرة، في باطن الأمر: في الحقيقة، في باطن نفسه : في داخله ، في سِرّه، وقَفت على بواطنه عرفت خفاياه .
من خلال تحليلنا لكلتا الكلمتين نستنتج أن كلمة باطن تستخدم في مقابل الظاهر فهو أعم من استخدام كلمة "جوف" فكلمة جوف أشد تخصيصاً واقل تعميماً من كلمة باطن مصداقا لقول الله عز وجل في سورة الاحزاب قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] صدق الله العظيم.